خربة الضريح هي موقع أثري مهم يقع في جنوب الأردن، على بعد حوالي 70 كم شمال مدينة البتراء، عاصمة الأنباط القديمة. كشف هذا الموقع، الواقع بالقرب من مدينة الطفيلة الحديثة، عن طبقات من النشاط البشري يعود تاريخها إلى العصر الحجري الحديث، أي حوالي 4000-6000 قبل الميلاد. يُترجم اسم الموقع، المشتق من اللغة العربية، إلى "أطلال المرتفعات"، مما يعكس موقعه الجغرافي.
الأنباط
الأنباط: أسياد الصحراء ومهندسو البتراء
الأنباط، شعب عربي قديم، سكن شمال شبه الجزيرة العربية وجنوب بلاد الشام، تاركين وراءهم إرثًا أذهل المؤرخين وعلماء الآثار على حد سواء. وكانت مستوطنتهم الأكثر شهرة، مدينة الرقمو، المعروفة الآن باسم البتراء في الأردن الحديث، بمثابة عاصمة مملكتهم. اشتهرت هذه الحضارة، التي ازدهرت بين القرنين الرابع والثاني قبل الميلاد، بشبكتها التجارية الواسعة، والتي جلبت لها ثروة ونفوذًا كبيرين في جميع أنحاء العالم القديم.
الظهور والتوسع
ظهر الأنباط لأول مرة في السجلات التاريخية حوالي 312/311 قبل الميلاد، خلال حرب الديادوتشي الثالثة، عندما تعرضوا لهجوم فاشل من قبل ضابط أنتيغونوس الأول، أثينايوس. في البداية، كانوا قبيلة عربية تحت تأثير بابلي آرامي كبير، استفاد الأنباط من تراجع السلوقيين لتوسيع أراضيهم. وبحلول عام 85 قبل الميلاد تقريبًا، كان ملكهم الحارث الثالث قد وسع سيطرته لتشمل دمشق وسوريا الجوفاء، مما يمثل ذروة القوة النبطية.
المملكة النبطية
البتراء، قلب المملكة النبطيةكانت الأنباط من عجائب الهندسة المعمارية القديمة، حيث بلغ عدد سكانها حوالي 20,000 ألف نسمة في القرن الأول قبل الميلاد. تحالف الأنباط في البداية مع الحشمونائيين ضد السلوقيين، لكنهم وجدوا أنفسهم لاحقًا في صراع مع سلالة يهودا. جعلهم موقعهم الاستراتيجي وسيطرتهم على طرق التجارة المربحة هدفًا لكل من السلوقيين والرومان لاحقًا. وعلى الرغم من الحملات العسكرية العديدة التي شنها الرومان، تمكن الأنباط من الحفاظ على استقلالهم حتى عام 1 م، عندما ضم الإمبراطور تراجان مملكتهم إلى الإمبراطورية الرومانية، وحولها إلى مقاطعة العربية البتراء.
الثقافة والإنجازات
كان الأنباط معروفين بصناعة الخزفيات المميزة والمرسومة بدقة، والتي أصبحت سمة مميزة لثقافتهم. وكانوا أيضًا ماهرين في الزراعة في الظروف القاحلة، وقاموا بتطوير تقنيات متطورة لالتقاط المياه وتخزينها مما سمح لهم بالازدهار في الصحراء. لغتهم، وهي لهجة عربية مكتوبة بخط أثر بشكل كبير على تطور الأبجدية العربية، تم استخدامها إلى جانب اللغة الآرامية للأغراض الرسمية والتجارية.
الدين والمجتمع
كان الأنباط يعبدون مجموعة من الآلهة، وكان ذو الشرى هو إلههم الرئيسي. وكانت ممارساتهم الدينية تشمل عبادة العزى وبناء المقابر والمعابد الضخمة المنحوتة مباشرة في واجهات الصخور في البتراء وغيرها من المستوطنات. وكانت المرأة في المجتمع النبطي تتمتع بمكانة عالية نسبيًا، وكانت حقوقها في الملكية والميراث تقدمية بشكل ملحوظ في ذلك الوقت.
التراجع والإرث
وبعد ضمهم إلى الإمبراطورية الرومانية، اندمج الأنباط تدريجياً في العالم اليوناني الروماني، وتبنوا العديد من عاداته، ثم اعتنقوا المسيحية في نهاية المطاف بحلول القرن الخامس. وتراجعت طرق التجارة والمدن التي كانت مزدهرة في السابق، واستوعبت ثقافتهم ولغتهم الفريدة النسيج الأوسع للشرق الأوسط.
أعاد اكتشاف البتراء على يد المستكشف السويسري يوهان لودفيغ بوركهارت عام 1812، الأنباط إلى دائرة الضوء من جديد، وكشف عن عبقريتهم المعمارية ومدى تأثيرهم في العالم القديم. اليوم، يُذكر الأنباط كواحد من أكثر الشعوب القديمة موهبةً ومنسيةً ظلما، والذين لا تزال مساهماتهم في الهندسة المعمارية والزراعة والتجارة محل دراسة وإعجاب.
المواقع الأثرية والتحف النبطية
ام البيارة
أم البيارة، وترجمتها "أم الصهاريج"، تقف كأعلى قمة في مدينة البتراء القديمة، الواقعة في الأردن حاليًا. لا يهيمن هذا الجبل على المناظر الطبيعية فحسب، بل يوفر أيضًا وجهة نظر فريدة من نوعها على المدينة، التي كانت عاصمة المملكة النبطية منذ القرن الرابع قبل الميلاد تقريبًا حتى الضم الروماني عام 4 م.
إلوسا (حلوزة)
إلوسا، التي عرفت في فترات تاريخية مختلفة بأسماء مثل هلسة، شلوس، والخالص، تقف شاهدا على التاريخ الغني والمعقد لصحراء النقب. كانت هذه المدينة القديمة، التي تقع بالقرب من كيبوتس مشابي سديه الحالي، بمثابة عقدة مهمة على طريق البخور النبطي، حيث سهلت التجارة من البتراء إلى غزة. وقد اعترفت منظمة اليونسكو بأهميتها التاريخية، حيث أعلنت حالوزة أحد مواقع التراث العالمي إلى جانب ممشيت وعفدات وشيفتا.
ميتزاد مهمال
يمثل ميتزاد محل قطعة مهمة في اللغز التاريخي لطريق البخور، وهي شبكة تجارية سهلت حركة السلع الفاخرة مثل البخور والمر والتوابل بين شبه الجزيرة العربية والبحر الأبيض المتوسط. ولم يخدم هذا الطريق الأغراض الاقتصادية فحسب، بل لعب أيضًا دورًا مهمًا في التبادل الثقافي والتكنولوجي بين الحضارات. تقدم أطلال ميتزاد محل، الواقعة على الجرف الشمالي لفوهة رامون، رؤى لا تقدر بثمن حول تعقيدات التجارة القديمة وبراعة الشعوب التي اجتازت هذه المناظر الطبيعية الصعبة.
نيسانا
نيسانا، المعروفة باللغة العبرية الحديثة باسم نزانا أو نيتسانا، تمثل موقعًا أثريًا وتاريخيًا هامًا يقع في جنوب غرب صحراء النقب في إسرائيل، بالقرب من الحدود المصرية. أنشئت في البداية كمحطة قوافل على طريق البخور القديم، وقد لعبت نيسانا دورًا حاسمًا في تسهيل التجارة والسفر بين مصر إلى الغرب عبر سيناء والمواقع الرئيسية إلى الشمال الشرقي مثل بئر السبع والخليل والقدس. وهذا الموقع الاستراتيجي جعل منها مركزاً حيوياً للتجار الأنباط في البداية ثم للحجاج المسيحيين لاحقاً.
معبد الأسود المجنحة
يعد معبد الأسود المجنحة موقعًا أثريًا وتاريخيًا هامًا داخل مدينة البتراء القديمة بالأردن. يعود تاريخ مجمع المعابد النبطية الكبير هذا إلى عهد الملك الحارث الرابع (9 ق.م - 40 م)، ويقع في الحي المقدس في البتراء، مقابل قصر البنت وعلى الضفة الشمالية لوادي موسى. يوفر بنائه واستخدامه اللاحق رؤى قيمة حول الجوانب الدينية والاقتصادية والثقافية للمجتمع النبطي.