تقع حديقة الهيلي الأثرية في منطقة العين بدولة الإمارات العربية المتحدة، وهي موقع ذو أهمية تاريخية كبيرة. يعرض بقايا مستوطنة من العصر البرونزي ويشتهر بمجموعته الرائعة من الاكتشافات الأثرية. يعود تاريخ هذه الاكتشافات إلى فترة حفيت، حوالي 3200 قبل الميلاد، وتستمر حتى العصر الحديدي، حوالي 1300 قبل الميلاد. تعد الحديقة شهادة على براعة الحضارات القديمة وتوفر نافذة على الثقافات المبكرة لشبه الجزيرة العربية.
ثقافة أم النار
إنّ ثقافة أم النار، سميت على اسم جزيرة تقع على ساحل الإمارات العربية المتحدة تمثل منطقة أم النار، التي تم اكتشاف الاكتشافات الأثرية الهامة فيها لأول مرة في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، فترة حاسمة في شبه الجزيرة العربية في العصر البرونزي، والتي امتدت تقريبًا من 1950 إلى 1960 قبل الميلاد. تشتهر هذه الثقافة بشكل خاص بمقابرها الدائرية المميزة وشبكاتها التجارية المتقدمة التي امتدت عبر الخليج العربي، إلى وادي السند، وبلاد ما بين النهرين، وربما أبعد من ذلك في الهضبة الإيرانية. تمثل فترة أم النار حقبة مهمة في ما قبل التاريخ في المنطقة، حيث تعرض مجتمعًا معقدًا طور ممارسات متطورة في علم المعادن والفخار والهندسة المعمارية، إلى جانب إقامة روابط تجارية بعيدة المدى.
إن السمة المميزة لثقافة أم النار هي ممارسات الدفن الفريدة، وأبرزها بناء المقابر الجماعية الدائرية الكبيرة. وقد بُنيت هذه المقابر، التي يمكن أن تستوعب ما يصل إلى عدة مئات من الأفراد، من الحجارة المحلية وغالبًا ما كانت تقع بالقرب من المستوطنات. وكان الجزء الداخلي من هذه المقابر منظمًا بشكل معقد، حيث وُضعت الجثث والسلع الجنائزية بطريقة دقيقة تشير إلى مجموعة معقدة من المعتقدات الاجتماعية والدينية المحيطة بالموت والحياة الآخرة. ويشير إدراج العناصر الشخصية، مثل الفخار والأسلحة والمجوهرات، إلى جانب المتوفى، إلى الاعتقاد بالحياة الآخرة حيث اعتُبرت مثل هذه العناصر ضرورية.
تشير الأدلة الأثرية إلى أن ثقافة أم النار كانت منخرطة بشكل كبير في التجارة البحرية. وقد سهّل الموقع الاستراتيجي لمستوطناتهم على طول الساحل الوصول إلى طرق التجارة التي ربطتهم بالحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين، وادي الاندسولم تقتصر هذه التجارة على السلع الفاخرة، بل شملت أيضًا السلع الأساسية مثل النحاس، الذي كان يُستخرج من جبال الحجر، والتمور، وهو مصدر غذائي أساسي يمكن نقله وتداوله بسهولة. وتشير القدرة على التنقل عبر شبكات التجارة هذه إلى أن شعب أم النار كان يمتلك مهارات بحرية متقدمة ومعرفة بالملاحة البحرية.
لم يكن اقتصاد ثقافة أم النار يعتمد فقط على التجارة؛ هناك أدلة تشير إلى أنهم كانوا يعملون في الزراعة وصيد الأسماك وربما حتى صيد اللؤلؤ. تطلبت الظروف البيئية في شبه الجزيرة العربية، بمناخها الجاف، أساليب مبتكرة في الزراعة، مثل تطوير أنظمة الري. وقد وفر القرب من البحر مصدرًا غنيًا للغذاء من خلال صيد الأسماك، وربما أدى وجود محار اللؤلؤ في مياه الخليج إلى استغلال اللؤلؤ مبكرًا كسلعة تجارية قيمة.
لا يزال تراجع ثقافة أم النار حوالي عام 2000 قبل الميلاد موضوعًا للتكهنات بين علماء الآثار. ومن المحتمل أن تكون التغيرات البيئية أو الإفراط في استغلال الموارد أو التحولات في طرق التجارة قد ساهمت في التراجع. وقد شهدت نهاية فترة أم النار انتقالًا إلى ثقافة وادي سوق، التي شهدت تغييرات في أنماط الاستيطان وممارسات الدفن والثقافة المادية. ويعكس هذا الانتقال الطبيعة الديناميكية للمجتمعات القديمة في شبه الجزيرة العربية وقدرتها على التكيف مع الظروف البيئية والاقتصادية المتغيرة.
إن إرث ثقافة أم النار له أهمية كبيرة، حيث أنه يوفر نظرة ثاقبة للتطور المبكر للمجتمعات المعقدة في شبه الجزيرة العربية. وتساهم الاكتشافات الأثرية المرتبطة بهذه الثقافة، بما في ذلك المقابر الضخمة والتحف والأدلة على الأنشطة التجارية والاقتصادية، في فهمنا للممارسات الاجتماعية والاقتصادية والدينية في ذلك الوقت. وتعمل ثقافة أم النار كجسر بين مجتمعات العصر الحجري الحديث في شبه الجزيرة العربية وحضارات العصر الحديدي اللاحقة، مما يسلط الضوء على الاستمرارية والتغيير في فترات ما قبل التاريخ والتاريخ في المنطقة. ومن خلال البحث الأثري المستمر، تستمر قصة ثقافة أم النار في التكشف، مما يوفر لمحة عن حياة الناس الذين ازدهروا ذات يوم على طول شواطئ الخليج العربي.