تعد كهوف بزيكليك، التي تقع في الجبال المشتعلة بمنطقة شينجيانغ الصينية، كنزًا دفينًا للفن البوذي القديم. هذه الكهوف، التي كانت ذات يوم مركزًا صاخبًا للنشاط الروحي والثقافي، تفتخر بمجموعة من الجداريات والمنحوتات الرائعة. وهي تقدم لمحة عن الحياة الدينية والإنجازات الفنية للأشخاص الذين عاشوا على طول طريق الحرير خلال القرنين الخامس والرابع عشر.
خاجانات الأويغور
إنّ خاجانات الأويغورتمثل الإمبراطورية الأويغورية التي تأسست في عام 744 م بعد سقوط خاقانات غوكتورك فصلاً مهمًا في تاريخ آسيا الوسطى. ازدهرت هذه الإمبراطورية البدوية حتى تراجعت في عام 840 م، مما يمثل ما يقرب من قرن من هيمنة الأويغور في هضبة منغوليا والمناطق المحيطة بها. برز الأويغور، الذين كانوا في الأصل جزءًا من قبائل تيلي، من خلال التحالف مع أسرة تانغ من الصين للإطاحة بالغوكتورك، الأمر الذي مهد الطريق لظهور إمبراطوريتهم الخاصة.
تميزت حضارة خاقانة الأويغور بعدة لحظات رئيسية أكدت أهميتها في المنطقة. وكان أحد أهمها تحولها إلى المانوية في أواخر القرن الثامن، وهي الخطوة التي ميزت الأويغور عن القبائل التركية والمنغولية الأخرى في ذلك الوقت. لم يؤثر هذا التحول الديني على الحياة الروحية للخاقانية فحسب، بل عزز أيضًا مزيجًا ثقافيًا فريدًا، حيث كانت المانوية نفسها دينًا توفيقيًا يجمع بين عناصر الزرادشتية والمسيحية والبوذية.
لعب الدين دورًا مركزيًا في خاقانية الأويغور، حيث أصبحت المانوية في النهاية دين الدولة. أدى هذا التبني إلى إنشاء إطار كتابي وطقوسي متميز عن الدول التركية الأخرى. كما مارس الأويغور البوذية والديانات المحلية الأخرى، مما يعكس المشهد الروحي المتنوع لإمبراطوريتهم. سهّل التسامح الديني الذي أظهره الأويغور التبادلات الثقافية وساهم في النسيج الغني لحضارتهم.
كانت الحياة الاجتماعية واليومية في خانية الأويغور تتسم بمزيج من التقاليد البدوية وتأثيرات الحضارات المستقرة. وكان الأويغور ماهرين في التجارة والزراعة والحرف اليدوية، مستفيدين من موقعهم الاستراتيجي على طول طريق الحرير. ولم يثري هذا الخاقانية اقتصاديًا فحسب، بل أدى أيضًا إلى نشوء مجتمع عالمي تتداخل فيه الثقافات والتقاليد المختلفة. وكانت العاصمة، أوردو باليق، شهادة على هذا الازدهار، حيث تتميز بالهندسة المعمارية المتطورة وتعمل كمركز للتبادل الثقافي والتجاري.
لعب حكام خاجانات الأويغور، المعروفين باسم خاقان، أدوارًا محورية في توسعها وحكمها. وكان أبرزهم مويون تشور، مؤسس إمبراطورية الأويغور، الذي أسس السلالة بعد هزيمة الجوكتورك. وضعت قيادته الأساس لنجاحات الإمبراطورية المستقبلية. كان الخاجان مدعومين بنظام إداري متطور سهل إدارة أراضيهم الشاسعة.
ولم تخلو خاقانية الأويغور من الصراعات، حيث خاضت العديد من الحروب والمعارك التي شكلت تاريخها. وقد تجلت براعتها العسكرية في حملاتها ضد الدول المجاورة وفي دورها كحليف رئيسي لأسرة تانغ. ومع ذلك، فقد تسارع انهيار الإمبراطورية بسبب سلسلة من الهزائم المدمرة على يد القرغيز، وهي قبيلة تركية أخرى، مما أدى إلى سقوط خاجانات الأويغور في عام 840 م.
إن إرث خاقانة الأويغور واضح في البصمة الثقافية والوراثية التي تركتها على المنطقة. فبعد انهيار إمبراطوريتهم، هاجر العديد من الأويغور إلى حوض تاريم، مما وضع الأساس للهوية الأويغورية الحديثة في شينجيانغ، الصين. كما سهلت هذه الهجرة انتشار المانوية والبوذية في المنطقة، مما أدى إلى إثراء المشهد الثقافي فيها.
وفي الختام، كانت خاقانات الأويغور كياناً بارزاً في تاريخ آسيا الوسطى، اشتهرت بإنجازاتها العسكرية، والتسامح الديني، والحيوية الثقافية. ويسلط وجودها بين القرنين الثامن والتاسع الميلاديين الضوء على فترة من التحول والتفاعل الكبير بين شعوب أوراسيا. ولا يزال إرث الأويغور، وخاصة فيما يتصل بمساهماتهم في النسيج الثقافي والديني للمنطقة، محسوساً حتى يومنا هذا، مما يؤكد التأثير الدائم لهذه الإمبراطورية العظيمة ذات يوم.