مدينة نيبور المقدسة: العلاقة بين الدين والسلطة في بلاد ما بين النهرين القديمة
نيبور، مدينة قديمة السومرية تحتل المدينة مكانة فريدة في تاريخ الشرق الأدنى القديم. تُعرف في السومرية باسم نيبرو وفي الأكادية باسم نيبور، وغالبًا ما يشار إليها من الناحية اللغوية باسم EN.LÍLKI، والتي تُترجم إلى "مدينة إنليل". يؤكد هذا التعيين على أهميتها كمقر خاص لعبادة إنليل، إله الريح والكون السومري. تقع في ما يُعرف الآن باسم نفار الحديثة، العراقكانت نيبور تتمتع بموقع استراتيجي على بعد حوالي 200 كيلومتر جنوب بغداد وحوالي 96.56 كيلومتر جنوب شرق بابل. يعود احتلالها التاريخي إلى فترات مبكرة مثل عصر العبيد ويمتد خلال فترتي أوروك وجمدة نصر، مما يشير إلى أهمية طويلة ومستمرة في تاريخ بلاد ما بين النهرين.
احصل على جرعتك من التاريخ عبر البريد الإلكتروني

الأهمية الدينية والسياسية لمدينة نيبور
على الرغم من عدم تحقيقها للهيمنة السياسية، إلا أن نيبور مارست نفوذاً كبيراً من خلال مكانتها الدينية. كانت المدينة موطناً لمعبد إيكور، المخصص للإله إنليل، والذي لعب دوراً محورياً في المشهد الديني والسياسي في سومركان يُنظَر إلى السيطرة على نيبور ومعبدها على أنها تمنح الشرعية و"الملكية" لحكام دول المدن الأخرى. ويتضح هذا الاعتقاد من خلال النقوش التي كتبها حكام مثل لوغال-زاجي-سي ولوغال-كيغوب-نيدودو، الذين أظهروا احترامًا للمقدس، مسلطين الضوء على أهميته في إضفاء الشرعية على حكمهم.

الاكتشافات الأثرية والرؤى التاريخية
يوفر السجل الأثري لنيبور ثروة من المعلومات حول تاريخها وأهميتها. يشير اكتشاف خرزات العقيق لحضارة السند في نيبور إلى العلاقات المبكرة بين حضارة السند وادي الاندس بلاد ما بين النهرين حوالي 2900-2350 قبل الميلاد. ويؤكد احتلال المدينة من قبل الحكام الأكاديين مثل سرجون ونارام سين على أهميتها، حيث قام نارام سين بشكل خاص بإعادة بناء معبد إيكور وأسوار المدينة.
شهدت فترة أور الثالثة انتعاشًا في الأهمية الدينية للمدينة، حيث أعطى أور-نامو لمعبد إيكور شكله النهائي المميز. وشهدت هذه الفترة أيضًا بناء أ الزقورة والعديد من المباني الدينية والإدارية الأخرى، مما يسلط الضوء على الأهمية الدينية المستمرة للمدينة.

تراجع وهجر نيبور
وعلى الرغم من أهميتها الدينية، شهدت نيبور فترات من التدهور، وخاصة خلال الفترة السلوقية عندما تم تحويل المعبد القديم إلى قلعةاستمر تدهور المدينة حتى العصر الإسلامي، حيث ذكر الجغرافيون المسلمون الأوائل نيبور تحت اسم نيفر. وبحلول أواخر القرن التاسع، توقفت الإشارات إلى المدينة، مما يشير إلى تدهورها وهجرها في النهاية. ومع ذلك، ظلت نيبور مقرًا لأسقفية مسيحية تابعة لكنيسة آشور الشرقية حتى أواخر القرن التاسع، مما يُظهر إرثها الدائم.

التنقيبات والبحوث
كانت نيبور محورًا لحفريات أثرية واسعة النطاق، بدءًا من السير أوستن هنري لايارد في عام 1851 واستمرت مع فرق من جامعة بنسلفانيا والمعهد الشرقي في شيكاغو. كشفت هذه الحفريات عن آلاف الألواح والبقايا المعمارية والتحف التي توفر نظرة ثاقبة لتاريخ المدينة والممارسات الدينية والحياة اليومية. تهدف الجهود الأخيرة لاستئناف العمل في نيبور تحت قيادة عباس علي زاده في عام 2019 إلى تعزيز فهمنا لهذه المدينة القديمة.
وفي الختام
إن تاريخ نيبور كمدينة مقدسة، ودورها في منح الشرعية للحكام، وسجلها الأثري الغني يجعلها موقعًا رئيسيًا لفهم الديناميكيات الدينية والسياسية لبلاد ما بين النهرين القديمة. إن تراث المدينة الدائم، على الرغم من فترات التراجع والهجر، يؤكد أهميتها في تاريخ المنطقة. يعد المزيد من البحث والتنقيب في نيبور بإلقاء المزيد من الضوء على ماضيها المعقد والحضارات التي ازدهرت في بلاد ما بين النهرين القديمة.