القصر الملكي في أوغاريت: لمحة عن الجلالة القديمة
يقع القصر الملكي في أوغاريت على ساحل البحر الأبيض المتوسط في سوريا، وكان في السابق مقر إقامة ملكي لحكام المدينة الأقوياء. وقد اكتشفه وحفره عالم الآثار الفرنسي كلود إف إيه شايفر في ثلاثينيات القرن العشرين، ويمثل القصر اكتشافًا أثريًا محوريًا، حيث يوفر نافذة على عظمة وتعقيد مملكة الشرق الأدنى القديمة.
احصل على جرعتك من التاريخ عبر البريد الإلكتروني
مسكن محصن
امتد القصر الملكي في أوغاريت على مساحة هائلة بلغت 6,500 متر مربع (أي ما يعادل 7 أفدنة تقريبًا) وكان يقع في مكان استراتيجي في الزاوية الشمالية الغربية للمدينة. وكان هناك سور محصن يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد يحيط بأرض القصر للحماية. وكانت البوابة الرئيسية، المحاطة بأبراج سميكة من المحتمل أنها كانت مدمجة في سور التحصين نفسه، تشكل نقطة دخول قوية لهذا المجمع الملكي.

تخطيط وظيفي
داخل أسوار القصر، توجد شبكة من تسعين غرفة ممتدة على طابقين، تحيط بما مجموعه ثمانية أفنية - أربعة كبيرة وأربعة أصغر. من المحتمل أن تخدم هذه الساحات أغراضًا مختلفة، حيث تعمل كمناطق استقبال أو مساحات للتجمع أو حتى مناطق مخصصة لأنشطة محددة. كان الطابق الأرضي مليئًا بالنشاط الإداري ومكاتب الإسكان والمحفوظات ومناطق التخزين ومساكن الموظفين. يوفر اثنا عشر درجًا إمكانية الوصول إلى الطابق الثاني، حيث تقيم العائلة المالكة في الأحياء الكبرى. كان للقصر أيضًا ثلاثة مداخل: البوابة الرئيسية شديدة التحصين بالقرب من الزاوية الشمالية الغربية، ومدخلين أصغر وأكثر سرية على الجانبين الشمالي الشرقي والجنوبي الغربي.
التطور المعماري مع مرور الوقت
بُني القصر على أربع مراحل مميزة بين القرنين الخامس عشر والثالث عشر قبل الميلاد، وعكس مزيجًا من التأثيرات المعمارية. كانت كتل البناء الرئيسية عبارة عن أحجار منحوتة مقطوعة ومكسوة بدقة لتبدو نظيفة. وفرت العوارض الخشبية دعمًا هيكليًا في جميع أنحاء القصر. كانت الجدران مغطاة بالجص البسيط، وهي سمة مشتركة في تصميم قصور شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأدنى القديم. كان التصميم العام للقصر غير منتظم وغير متماثل، مما يشير إلى العديد من الإضافات والتعديلات التي أجريت على مر القرون لاستيعاب الاحتياجات المتطورة للحكام والوظائف الإدارية المتنامية الموجودة داخل القصر.

اكتشاف مدينة مفقودة
كان اكتشاف أوغاريت في حد ذاته إنجازًا رائعًا. فبعد أن عثر الفلاحون المحليون على قطع أثرية في المنطقة في عام 1929، قاد عالم الآثار كلود إف إيه شايفر فريقًا للتحقيق في الموقع. وتم تنفيذ عشر حملات تنقيب، ركزت في المقام الأول على الزاوية الشمالية الغربية حيث يقع القصر الملكي، بين عامي 1930 و1939. وأجبرت الحرب العالمية الثانية أعمال التنقيب على التوقف، لكنها استؤنفت في عام 1948. ثم ركز شايفر جهوده على القصر نفسه من عام 1950 إلى عام 1955. وقد كشف هذا العمل الدقيق عن كنز من القطع الأثرية والألواح المسمارية، مما ألقى الضوء على تاريخ وثقافة أوغاريت.
ثروة من التحف
وقد أسفر موقع القصر عن مجموعة رائعة من القطع الأثرية، التي قدمت لعلماء الآثار لمحة عن حياة سكانه. وشملت هذه القطع أشياء عاجية منحوتة بشكل معقد، وأثاثًا ربما كان يستخدمه أفراد العائلة المالكة والمسؤولون، ولوحات حجرية عليها نقوش، وتماثيل صغيرة مختلفة تصور الآلهة أو الناس. ومن بين أكثر الاكتشافات إثارة للاهتمام كان هناك مصري إناء من المرمر مزين بمناظر تصور زواج ملك أوغاريت نقمدو الثاني من إحدى النبيلات المصرية. مزهريات مصرية أخرى عليها خراطيش الملوك رمسيس الثاني وحور محب، أكدوا أيضًا على الروابط النشطة بين الثقافات التي تمتعت بها أوغاريت خلال هذه الحقبة.

تراث في الطين: الألواح المسمارية
وقد ظهرت من مجمع القصر ثمانية أرشيفات مليئة بالألواح المسمارية، الأمر الذي غيّر إلى الأبد فهمنا لتاريخ أوغاريت وإدارتها. وتضم هذه المجموعة الواسعة، التي تجاوزت ألف لوح، نصوصًا مكتوبة بالخط الأكادى والأوغاريتى. كما حملت بعض الألواح أيضًا نصوصًا حوريّة وأوغاريتية. حثى وقد غطت هذه الألواح المنظمة بدقة مجموعة واسعة من المواضيع، بما في ذلك السجلات التفصيلية للشؤون الإدارية في أوغاريت، والإجراءات القانونية، والتبادلات الدبلوماسية مع الممالك الأخرى. كما قدمت المراسلات الرسمية والتقارير، وحتى ألواح التدريب التي استخدمها النساخ الطموحون، رؤى لا تقدر بثمن حول الأعمال اليومية لبيروقراطية أوغاريت. ومن بين هذه الكنوز 36 ترنيمة، تُعرف باسم الأغاني الحورية، مما أضاف بعدًا غنائيًا إلى النسيج الثقافي الغني في أوغاريت.

وفي الختام
يعد القصر الملكي في أوغاريت شاهداً على تطور وقوة هذه المملكة القديمة. إن براعته المعمارية، إلى جانب ثروة القطع الأثرية والنصوص المكتشفة داخل جدرانه، ترسم صورة حية لأهمية أوغاريت التاريخية. لم يكن هذا القصر مجرد مسكن فاخر للعائلة المالكة فحسب، بل كان أيضاً مركزاً مركزياً للإدارة والتبادل الثقافي والعلاقات الدولية. إن إرث أوغاريت، المحفوظ داخل جدران القصر الملكي، لا يزال يثري فهمنا للعالم القديم.
مصادر:
